القضية الأرمنية ومذبحة 1909 (الحلقة الأولى )

 

صورة أرشيفية من تعذيب الدولة العثمانية للأرمن

صورة أرشيفية للأرمن

فى العام الماضى كان لى حديث خاص مع المطران كريكور أوغسطنيوس أسقف الاسكندرية للأرمن الكاثوليك عن إبادة الأرمن عام 1915 قال لى  : –

لا ننسى مطلقا دور مصر وسوريا فى مساعدة الأرمن إبان الحكم العثمانى عام 1915 حيث  قامت سوريا بإخفاء الاطفال الارمن الناجيين من المذبحه وسط أبنائهم وعندما جاء العسكر العثمانين يبحثون عن اطفال أرمن لقتلهم كانوا يقولون أنهم أبنائنا ولم نرى أى أطفال أرمن . وأحتضنت مصر آلاف الاجئين من الارمن بكل ترحاب بغض النظرعن دينهم ومذهبهم وقام سعد زغلول وزوجته برعاية العديد من الابناء الأرمن الأيتام وتعليمهم حرف صناعية فمن كان أباه نجارا كان يستضيفه نجارا ليعلمه الحرفة  وهكذا . وحتى وقتنا هذا يعيش اللاجئين الارمن فى مصر دون قيود أو خوف حتى أصبحوا نسيج لا يتجزأ من كيان مصر .

منذ ذلك اللحظة صار الفضول لدى للبحث عن من هم الأرمن ؟ وما هى المذبحة ؟ وما الدوافع التى أدت إلى ذلك ؟وما هو دور مصر فى إنقاذ الآلاف من الأرمن ؟

لذلك قررت القراءة والبحث فى شبكات الانترنت عن تاريخ الأرمن والتعرف على معاناتهم للحصول على استقلالهم من قيود المملكة العثمانية . وبالصدفة دعانى أحد الاصدقاء لحضور حفلة عود فى نادى الهوسابير الأرمنى  وهناك حصلت على العديد من الكتب التى كتبها باحثين مصريين وأرمنيين وعلى رأسهم د. محمد رفعت الامام أستاذ فى قسم التاريخ بجامعة الاسكندرية وباحث متخصص فى الإبادة الأرمنيية ودعم كتبه بالوثائق والصور والمستندات التاريخية  حتى الأخبار التى تناولتها الصحف العربية فى ذلك الوقت ودور الدول العربية فى إنقاذ الأرمن ورسالة الشريف حسين بن على الهاشمى مؤسس المملكة الحجازية  الى أبنائه لإنقاذ الأرمن الناجيين من الإبادة .

رسالة الشريف حسين إلى أبنائه لإنقاذ الأرمن الناجيين من الإبادة

رسالة الشريف حسين إلى أبنائه لإنقاذ الأرمن الناجيين من الإبادة

وتفاجأت من خلال اطلاعى أن قضية الأرمن  ما هى إلا مكيدة مثل التى تحدث بين المسلمين والمسيحين و لم تكن متمثلة فى يوم 24 أبريل فقط بل إنها مرت بثلاث مراحل  : – الأولى في زمن السلطان عبد الحميد الثاني (1876-1909)، والثانية إبان الحكم الاتحادي (1909 – 1918)، والثالثة خلال الحقبة الكمالية (19191932) .

  • حقائق تاريخية حول مذبحة الأرمن 

المرحلة الاولى عندما طالبوا الأرمن الدولة العثمانية بإجراء اصلاحات داخلية فى بعض الولايات الأرمنية فى نطاق بقائهم رعايا للسلطة العثمانية لكن تجاهلوا مطالبهم فبدأ مثقفى الارمن وقياداته فى تكوين أحزاب ثورية سرية وعلنية للمطالبة بحقوقهم المشروعة فرد السلطان عبد الحميد الثانى رد لا يوحى بأى إنسانية أقيمت المذابح بين عامى 18941896 راح ضحيتها آلاف الارمن وهاجر الكثير منهم الى البلاد العربية والبلقان وأوروبا .

ورغم تبعية مصر للدولة العثمانية فى ذلك الوقت لم تتخذ الحكومة المصرية موقف العثمانين بل على العكس رحبت مصر بهم . وبدأ النظام الحميدى فى تكوين صورة سلبية عن الأرمن فى عقل العثمانى المسلم وقبل النظام الحميدى منذ أن اقتسمت الدولة العثمانية والصفوية (إيران ) أرمينيا لتقع أرمينيا الغربية تحت أيدى العثمانيين وذلك فى القرن السادس عشر تعايش الأرمن فى إطار متسامح  مع المسلمين ووأصبحت لهم حرية العيش وممارسة اللغة والعقيدة وكان الأرمن أهل ثقة وعينوا فى مناصب فى الدولة العثمانية وعملوا بالتجارة والصناعة ولكن دائما تختلف الإدارات الحاكمة من وقت لأخر فى الحكمة والبصيرة وحسن التصرف فى الأمور .

وقد نقدت جريدة الرأى العام المصرية فى عددها الصادر يوم 11 سبتمبر عام 1896 الأتراك وقالت نصا ” يستأصلون الأمة الأرمنية استئصالاً ، ويذبجون منها المئات والألوف كل يوم غير الذين يميتونهم فى السجون وفى الجبال تائهين يتضورون جوعا أو يقتلهم البرد والشتاء ”

فقام الأرمن الثوريون بالتحالف مع جماعة ” تركيا الفتاة” للسعى لاسقاط النظام الحميدى ونجحوا فيه بالفعل عام 1908 لتنتقل القضية الأرمنية الى المرحلة الثانية  (الحكم الاتحادى ) فى إعتقاد الباحثين إنها أكثر صعوبة من المرحلة الأولى ومن أحداث 1915  وتولى الحكم فيها محمد الخامس أخو السلطان عبد الحميد الثانى المخلوع  وحصل الاتحاديون على المجلس البرلمانى وأحكموا قبضتهم على الدولة وكانت لهم سلبيات كثيرة . على رأسها أحداث أبريل 1909 أو مذابح ” أضنة ”  الواقعة فى إقليم  “أقليقية” جنوب  الأناضول  قتل فيها أكثر من 20 ألف أرمنياُ  ضحايا التعصب الدينى والجهل المطبق فى ولايات الأناضول وكان عدد سكان أضنة 550 ألف نسمة منهم حوالى 60 ألف أرمنى  .

فمسألة أضنة كانت عبارة عن سلسلة من الإشاعات والفتن وهناك العديد من الكتب التى كتبت عن الدوافع والأسباب والفتن التى أدت فى وجهة نظرى لوقوع حرب أهلية بين أتراك  وأرمن  سكان أضنة . إختلق الاتحاديون الناقمون علي الأرمن في أضنه خصوصا وفي قيليقية عموما  إشاعة مفادها أن الأرمن يستعدون لثورة مسلحة بغية القضاء علي الأتراك وإقامة مملكة أرمينية بمساعدة الأجانب، وهو الأمر الذي أهاج الأهالي وحثهم علي قتال الأرمن. وإزاء هذا ، أصيب الأرمن بالهلع من هجمات الجموع البشرية المسلحة بنفس قدر هلعهم من حركات وسلوكيات الإدارة الحاكمة.

وبدء الانفجار عشية منتصف أبريل 1909عقب مقتل تركيين بواسطة نجار أرمنى ولم تذكر أى أشارة ما الدافع للقتل وأشاع الخبر أن أرمنياُ قتل مسلماُ وتطور الأمر سريعا  ووقعت أحداث شغب صبيحة يوم الثلاثاء 13 أبريل وتوجه جمع من الأتراك إلى مقر البلدية طلبوا من الوالى ” جواد بك ” السماح لهم بمعاقبة الأرمن ولكنه رفض وأرسل والى أضنة أربع برقيات إلى الداخلية العثمانية يخبره بالفوضى السائدة وكان رد الداخلية عليه ” بتوخى الحذر الشديد حتى لا يتعرض الرعايا الأجانب وقنصلياتهم الى أى تخريب ”   وأجتمعت قيادات أضنة وعلى رأسهم الوالى ورئيس الشرطة ومفتى ديار أضنة والذى أفتى بأن “أعمال المذابح فى المسيحين يتوافق مع الشريعة الأسلامية وأصدر فتواه  التى راح ضحيتها الألاف ”

قال الله تعالى فى كتابه العزيز” مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ” صدق الله العظيم 

يتبع  ……

نظرا لطول التدوينة سيتم نشرها فى حلقات متتالية